فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}.
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد المبطلين أردفه بوعد المحقين وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان لأن العطف يوجب المغايرة.
المسألة الثانية:
قوله: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} ظاهره يقتضي أنه يستوجب المؤمن بحسن عمله على الله أجرًا، وعند أصحابنا ذلك الاستيجاب حصل بحكم الوعد وعند المعتزلة لذات الفعل وهو باطل لأن نعم الله كثيرة وهي موجبة للشكر والعبودية فلا يصير الشكر والعبودية موجبين لثواب آخر لأن أداء الواجب لا يوجب شيئًا آخر.
المسألة الثالثة:
نظير قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} إلخ قول الشاعر:
إن الخليفة إن الله سربله ** سربال ملك به ترجى الخواتيم

كرر أن تأكيدًا للأعمال والجزاء عليها.
المسألة الرابعة:
أولئك خبر إن وإنا لا نضيع اعتراض ولك أن تجعل إنا لا نضيع وأولئك خبرين معًا ولك أن تجعل أولئك كلامًا مستأنفًا بيانًا للأجر المبهم واعلم أنه تعالى لما أثبت الأجر المبهم أردفه بالتفصيل من وجوه: أولها: صفة مكانهم وهو قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} والعدن في اللغة عبارة عن الإقامة فيجوز أن يكون المعنى أولئك لهم جنات إقامة كما يقال هذه دار إقامة، ويجوز أن يكون العدن إسمًا لموضع معين من الجنة وهو وسطها وأشرف أماكنها وقد استقصينا فيه فيما تقدم وقوله: {جنات} لفظ جمع فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ويمكن أن يكون المراد أن نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة وذكر أن من صفات تلك الجنات أن الأنهار تجري من تحتها وذلك لأن أفضل المساكن في الدنيا البساتين التي يجري فيها الأنهار.
وثانيها: إن لباس أهل الدنيا إما لباس التحلي، وإما لباس التستر، أما لباس التحلي فقال تعالى في صفته: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} والمعنى أنه يحليهم الله تعالى ذلك أو تحليهم الملائكة وقال بعضهم على كل واحد منهم ثلاثة أسورة سوار من ذهب لأجل هذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى: {وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] وسوار من لؤلؤ لقوله تعالى: {وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23]، وأما لباس التستر فقوله: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَاسْتَبْرَقٍ} والمراد من سندس الآخرة واستبرق الآخرة والأول هو الديباج الرقيق وهو الخز والثاني هو الديباج الصفيق وقيل أصله فارسي معرب وهو استبره، أي غليظ، فإن قيل: ما السبب في أنه تعالى قال في الحلي: {يُحَلَّوْنَ} على فعل ما لم يسم فاعله وقال في السندس والاستبرق ويلبسون فأضاف اللبس إليهم، قلنا: يحتمل أن يكون اللبس إشارة إلى ما استوجبوه بعملهم وأن يكون الحلي إشارة إلى ما تفضل الله عليهم ابتداء من زوائد الكرم.
وثالثها: كيفية جلوسهم فقال في صفتها متكئين فيها على الأرائك.
قالوا: الأرائك جمع أريكة وهي سرير في حجلة، أما للسرير وحده فلا يسمى أريكة.
ولما وصف الله تعالى هذه الأقسام قال: {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} والمراد أن يكون هذا في مقابلة ما تقدم ذكره من قوله: {وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجْر من أحسن عملًا}.
روى البراء بن عازب أن أعرابيًا قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: إني رجل متعلم فأخبرني عن هذه الآية {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية فقال رسول الله صلى عليه وسلم: «يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك، هم هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم». قوله عز وجل: {ويلبسون ثيابًا خُضْرًا مِن سندس وإستبرق} أما السندس: ففيه قولان:
أحدهما: أنه من ألطف من الديباج، قاله الكلبي.
الثاني: ما رَقَّ من الديباج، واحده سندسة، قاله ابن قتيبة. وفي الاستبرق قولان:
أحدهما: أنه ما غلظ من الديباج، قاله ابن قتيبة، وهو فارسي معرب، أصله استبره وهو الشديد، وقد قال المرقش:
تراهُنَّ يَلبْسنَ المشاعِرَ مرة ** وإسْتَبْرَقَ الديباج طورًا لباسُها

الثاني: أنه الحرير المنسوج بالذهب، قاله ابن بحر.
{متكئين فيها على الأرائك} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الحجال، قاله الزجاج.
الثاني: أنها الفُرُش في الحجال.
الثالث: أنها السرر في الحجال، وقد قال الشاعر:
خدودًا جفت في السير حتى كأنما ** يباشرْن بالمعزاء مَسَّ الأرائكِ

اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله عز وجل: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا}.
اعتراض مؤكد للمعنى، مذكر بأفضال الله، منبه على حسن جزائه بين قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وقوله: {أولئك}، فقوله تعالى: {أولئك لهم جنات عدن} ابتداء وخبر جملة، هي خبر {إن} الأولى، ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر: البسيط:
إن الخليفة إن الله ألبسه ** سربال ملك به ترجى الخواتيم

قال الزجاج: ويجوز أن يكون خبر {إن} في قوله: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا} لأن المحسنين هم المؤمنون فكأن المعنى: لا يضيع أجرهم.
قال القاضي أبو محمد: ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله: {لا نضيع} على حذف العائد تقديره، {من أحسن عملًا} منهم، والعدن: الإقامة، ومنه المعدن، لأن حجره مقيم فيه ثابت، وقوله: {من تحتهم} يريد من تحت غرفهم، ومبانيهم، وقرأ الجمهور: {من أساور} وروى أبان عن عاصم {أسورة}: من غير ألف، وبزيادة هاء. وواحد الأساور إسوار، حذفت الياء من الجمع لأن الباب أساوير، وهي ما كان من الحلي في الذراع. وقيل {أساور} جمع إسورة، وإسورة جمع سوار، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه ويقال في حلي الذراع أسوار، ذكره أبو عبيدة معمر ومنه قول الشاعر: الرجز:
والله لولا صبية صغار ** كأنما وجوهم أقمار

تضمهم من العتيك دار ** أخاف أن يصيبهم إقتار

أو لاضم ليس له أسوار ** لما رآني ملك جبار

ببابه ما وضح النهار

أنشده أبو بكر بن الأنباري حاشية في كتاب أبي عبيدة، والسندس: رقيق الديباج، والاستبرق ما غلظ منه، وقال بعض الناس هي لفظة أعجمية عربت، وأصلها استبره، وقال بعضهم بل هو الفعل العربي، سمي به فهو استبرق من الريق فغير حين سمي به بقطع الألف، ويقوي هذا القول أن ابن محيصن قرأ: {من سندس وإستبرق} فجاء موصول الهمزة حيث وقع ولا يجزمه، بل بفتح القاف، ذكره الأهوازي، وذكره أبو الفتح، وقال هذا سهو أو كالسهو و{الأرائك} جمع أريكة هي السرير في المجال، والضمير في قوله: {وحسنت} للجنات وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال: الاستبرق الحرير المنسوج بالذهب، وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثًا مضمنه أن قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: «أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة، وهم حضور». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
قال الزجاج: خبر {إِن} هاهنا على ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يكون على إِضمار: {إِنا لا نُضيع أجر من أحسن عملًا} منهم، ولم يحتج إِلى ذكر منهم لأن الله تعالى قد أعلَمنا أنه محبطٌ عملَ غير المؤمنين.
والثاني: أن يكون خبر {إِن}: {أولئك لهم جنات عدن}، فيكون قوله: {إِنا لا نُضيع} قد فصل به بين الاسم وخبره، لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول، لأن من أحسن عملًا بمنزلة الذين آمنوا.
والثالث: أن يكون الخبر: {إِنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا}، بمعنى: إِنّا لا نُضيع أجرهم.
قال المفسرون: ومعنى {لا نضيع أجر من أحسن عملًا} أي: لا نترك أعماله تذهب ضَياعًا، بل نُجازيه عليها بالثواب.
فأما الأَساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إِسوار، وسِوار، وسُوار؛ فمن قال: إِسوار، جمعَه أساور، ومن قال: سِوار أو سُوار، جمعَه أسْوِرة، وقد يجوز أن يكون واحد أَساورة وأَساور: سِوار؛ وقال الزجاج: الأَساور جمع أَسْوِرَة، وأَسْوِرَة جمع سِوَار، يقال: سِوار اليد، بالكسر، وقد حكي: سُوار.
قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس، جعل الله ذلك لأهل الجنة.
قال سعيد بن جبير: يُحلَّى كلُّ واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحدٍ من فضة، وواحدٍ من ذهب، وواحدٍ من لؤلؤ ويواقيت.
فأما السُّنْدُسُ والإِستبرق، فقال ابن قتيبة: السُّندس: رقيق الديباج، والإِستبرق ثخينه.
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرَّب، قال الراجز:
وليلة من الليالي حِندِسِ ** لون حواشيها كلون السندس

والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرَّب، وأصله إِسْتفْرَهْ.
وقال ابن دريد: إِستَرْوَهْ، ونقل من العجمية إِلى العربية، فلوا حُقِّر {إِستبرق}، أو كُسِّر، لكان في التحقير أُبَيْرِق، وفي التكسير أبارق بحذف السين، والتاء جميعًا.
قوله تعالى: {متكئين فيها} الاتّكاء: التحامل على الشيء.
قال أبو عبيدة: والأرائك: الفُرُش في الحِجَال، ولا تكون الأريكة إِلا بحَجَلة وسرير، وقال ابن قتيبة: الأرائك: السُّرُر في الحِجال، واحدها: أريكة.
وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إِلا سريرًا في قُبَّة عليه شَواره ومتاعه؛ قال ابن قتيبة: الشَّوار، مفتوح الشين، وهو متاع البيت.
وقال الزجاج: الأرائك: الفُرُش في الحِجال.
قال: وقيل: إِنها الفُرُش، وقيل: الأسِرَّة، وهي على الحقيقة: الفُرُش كانت في حِجال لهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}.
لما ذكر ما أعدّ للكافرين من الهوان ذكر أيضًا ما للمؤمنين من الثواب.
وفي الكلام إضمار؛ أي لا نضيع أجر من أحسن منهم عملًا، فأما من أحسن عملًا من غير المؤمنين فعمله مُحْبطَ.
و{عملا} نصب على التمييز، وإن شئت بإيقاع {أحسن} عليه.
وقيل: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} كلام معترض، والخبر قوله: {أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} سُرَّةُ الجنة، أي وسطها وسائر الجنات مُحْدِقَة بها.
وذكرت بلفظ الجمع لسَعتها؛ لأن كل بُقعة منها تصلح أن تكون جنة.
وقيل: العَدْن الإقامة، يقال: عَدَن بالمكان إذا أقام به.
وعَدَنْت البلد توطنْته.
وعَدَنَتِ الإبلُ بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه؛ ومنه {جناتُ عَدْن} أي جنات إقامة.
ومنه سُمِّيَ المَعْدِن بكسر الدال؛ لأن الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء.
ومركز كلّ شيء مَعدِنه.